همسة في أذن الشباب، لوزير الأوقاف
للعلم قيمة كبرى ، وللشهادة أخرى ، وللوطن حقوق ، وللطموح آفاق ، والعلم بلا أخلاق لا أثر له ، أما القيمة الأولى فهي للعلم ، فقدر كل امرئ ما يحسن ، وقد ينظر بعض الناس إلى العلم نظرة مالية ، فيُقوِّم قيمة العلم بمقدار ما يمكن أي يدره هذا العلم من مال أو يحققه من رفاه ، وأذكر أنه في مرحلة من مراحل طلب العلم في حياتنا وعند إعداد بحوث الترقي لدرجة الأستاذية ، كان أحد الأساتذة المساعدين الذين لا يجدون الهمة العلمية الكافية لإنهاء الأبحاث المطلوبة ، يقول : كم الفارق المادي بين علاوة الأستاذ المساعد والأستاذ؟ إنها خمسة وعشرون قرشًا، هل تستحق كل هذا العناء والتعب؟ ولم تمض سوى شهور قلائل حتى أُقِرِّ نظام بدل الجودة ، فجعل الفارق بين الأستاذ والأستاذ المساعد نحو خمسمائة جنيه في الشهر ، إضافة إلى قصر مناقشة رسائل الدكتوراه والإشراف عليها على الحاصلين على درجة الأستاذية ، وكذلك تحكيم الأبحاث العلمية , والمناصب القيادية من العمادة وغيرها ، فصار الفارق الأدبي والمادي كبيرًا ، ناهيك عن الأصل وهو الدرجة العلمية ، فإن قلت : ربما كان الأستاذ المساعد أعلم ، ذكرت لك قول الشاعر :
ولم أر في عيـوب النـاس عيبًا |
كنقص القادرين على التمـام |
ثم إن للعلم لذة لا تعادلها لذة ، وهذا هو الشافعي رحمه الله يقول :
سَهَــرِي لِتَنْقِيـــــحِ العُلُــــــومِ أَلَذُّ لــي |
مِنْ وَصْلِ غَانِيـــة ٍ وَطيـــــــبِ عِنَــــاقِ |
وصريــــــرُ أقلامـــــــي على أوراقهـــا |
أحلى مــــنَ الدَّكـــــــاءِ والعشـــــــاقِ |
وَأَلَــــــذُّ مِــــــــنْ نَقْــــــرِ الفتـــاة لِدُفِّهَا |
نقري لألقي الرَّملَ عــــن أوراقــــــي |
وتمايلـي طربـــــــاً لحــــــلِّ عويصـــة ٍ |
في الدَّرْسِ أَشْهَى مِنْ مُدَامَة ِ سَــاقِ |
وأبيتُ سهـرانَ الدُّجــــــــى وتبيتـــــهُ |
نَوْماً وَتَبْغــــــي بَعْــــــــدَ ذَاكَ لِحَاقِي؟ |
فقد كرم الله العلم والعلماء ، فقال سبحانه : “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (المجادلة :11) ، وقال سبحانه : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ” (الزمر: 4) ، وقال سبحانه : “وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ” (فاطر: 28:27) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ” .
ولاشك أن الشهادة أحد أهم مفاتيح العلوم ، فقد تفتح لصاحبها من الأبواب ما أغلق ، وتيسر له من الطرق ما مهد وما لم يمهد ، فلا ينبغي التهوين من شأنها أو الانصراف عنها بحجة أنها لا قيمة لها ولا جدوى .
ومع أن الطموح مشروع ، حيث قال شوقي :
شباب قنـــع لا خيـــر فيهـــم
وبورك في الشباب الطامحينا
فإن لهذا الطموح آفاقًا وللوصول إلى القمة درجات ومراحل ، والقفز فوق الزمن أو فوق المراحل غير مأمون العاقبة ، ومن سار على الدرب وصل ، ولابد دون الشهد من أَبْر النحل، ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر .
أضف إلى ذلك ضرورة التحلي بمكارم الأخلاق ، فالعلاقة بين العلم و الأخلاق علاقة طردية ، والعلم بلا خلق لا قيمة له ، وقد قال الشاعر :
لا تحسبن العلم ينفع وحده
ما لــم يتـوج ربــه بخـــــلاق
فإذا رزقت خليقــة محمــودة
فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
ولا ينبغي أن ننسى أن ديننا هو دين مكارم الأخلاق ، وقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا” ، وسُئل ما أكثر ما يدخل الجنة يا رسول الله ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ” حسن الخلق” ، حتى أنه (صلى الله عليه وسلم) عرف الدين بأنه حسن الخلق فقال : “الدين حسن الخلق” ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم” .